واجه الإسلام في فترة الاستعمار من المشاكل ما لم يعهد مثله في سالف الأزمنة. وكان من الطبيعي أن يبحثوا في هذه المرحلة الحرجة عن حلول تعالج بها أوضاعهم السياسية والاجتماعية والدينية. كما كان من المحتوم أن تتباين المناهج في ذلك، وتفترق السبل.وللهند من ذلك الحظ الأوفر.

فرأينا من مسلمي الهند في تلك الفترة، ومن جراء صدع الاستعمار، من اختار لنفسه التخلي عن موروثات الدين والشرع، واختار لنفسه ما ظنه تنوُّرًا، انبهارًا بمظاهر القوة والثروة في الغرب، وانخداعا بتقدم العلوم التجريبية. وهؤلاء تمثِّلُهم جماعة عليگره بقيادة السر سيد أحمد خان. فلنسمِّهم الحداثيين.

.ومنهم من شارك الحداثيين في الانبهار والانخداع والولاء للغرب، غير أنهم أضافوا إلى منهجهم المختار عنصرا خرجوا به عن دائرة الإسلام. ألا وهم القاديانية بطائفتيها.

ومنهم أناس عكفوا على دراسة الحديث، وغلب عليهم الظن بأن مشاكلنا كلها تعود إلى الابتعاد عن منابع الدين الأصلية. وأن الحل في العودة إليها. غير أن عودتهم اتصفت بنوع من المبالغة المتجاوزة للحدود، فتخلَّوْا عن كل ما سوى ما كان في نظرهم أصيلا: فنبذوا التمذهب ونافروا الكلام بحجة مضادة السنة، وشنوا على التصوف حربا لا تميّز بين المحمود منه والمكروه. وهم أهل الحديث.

ومنهم شريحة كبرى ظلت متمسكة بجميع موروثاتها، الأصيل منها والدخيل، واستنكرت جميع حركات الإصلاح، سواء المعتدلة منها والغالية المتجاوزة للحدود. فأصرَّت على نمط من التصوف لا يخضع لقيود الشرع، وجمدت على طريقة في التمذهب لا يتجاوب للحديث ولا يتآنس به. وواجهت كل حركة إصلاحية بموجة من الشتم والإقذاع تتخللها قنابل التكفير. وهم البريلوية.

في هذه الأوساط نشأت جماعة من العلماء، سيماهم الولاء للدين وذم الحداثة، وهمهم الأكبر هو الجمع بين الحفاظ عليه وتطهيره مما عَلِق به من الانحراف في العقيدة، والاعوجاج في السلوك، والاستخفاف بالدين، والصغار أمام الغرب المستعمر، مع دقة العناية بمراعاة حدود ما يسمح به في جميع ذلك. وهؤلاء هم الديوبنديون.

وعندي أن هذا هو الأصل الذي نشأت عليه جماعة ديوبند: عقيدة راسخة لا تداهن الغرب ولا تغازل الحداثة، والتمسك بالتمذهب على وجه يحترم السنة ويستجيب لها ويتجاوب معها، والتصوف النزيه المميز بين الحق منه والباطل.

نعم، هذا هو الأصل. لكن قد يحدث في أفراد الجماعة شذوذ عن القاعدة، وقد يتشقق جزء من جدار مبني على أساس مستحكم.

فجميع ما يعكس الأصل الأصيل في الديوبنديين فأنا أفتخر بالانتساب إليهم فيه. ولا أتبرأ عنهم في شيء سوى ما طاش أو نبا عن الأساس، أو في بعض المسائل الفرعية التي لا تفسد للانتماء قضية.

وهذا ما أدين الله به.

الافتخار بالانتساب إلى الديوبنديين

Jun 21, 2022 | Messages